الحصة الأولى : نبوءة السقَّا ودرهم الناظر

الحصة الأولى

نبوءة السقَّا ودرهم الناظر20160115_093406
بقلم : الأستاذ و الأديب القاص: عبد الجليل سليمان

قراءة فصل واحد من رواية حتى ولو كان معضدًا ببعض الدراسات النقدية والكتابات الانطباعية المتناثرة هنا وهناك، أمرٌ لا يكفي لإصدار حكم عليها – أياً كان – لكن ذلك لا يمنع إبداء بعض الانطباعات عنها، كما لا يحول دون التنبوء بحيازتها لجائزة البوكر التي ترشحت إلى قائمتها الطويلة، إذ أن التنبؤ فعل إنساني روحاني وليس نقدياً بالضرورة، أو على الأقل أنا بصدد هذا التعريف هنا والآن.
وحامد الناظر، بروايته نبوءة السقا يكون ثالث سودانييْن اثنيْن هما أمير تاج السر وحمور زيادة، ضمتهم قائمة البوكر العربية، وهذا وحده أمر مفرح، لكنّا سنكون في غامر وفيض من الفرحة، إذ ما نالت (نبوءة السقّا) جائزة البوكر لهذا العام.
بطبيعة الحال، لن يترشح أي منجز إبداعي إلى جائزة كبرى، ما لم يكن – في الأساس – عملًا عظيمًا- لكن هذا لا ينفي أن أعمالاً عظيمة أخرى ربما لا يحالفها الحظ للترشح، كما كتب الناظر نفسه، مشيرًا إلى رواية حجي جابر (لعبة المغزل)، لكن من ناحية أخرى، فإن الفوز بالجائزة يحتاج أيضًا إلى (درهم حظ)، وربما لم يتوفر هذا الدرهم لسلفي الناظر (أمير وحمور)، ولكنني أشعر أن الناظر يخبئ في جيبه عديد الدراهم، بجانب (قناطير الشطارة) المنقطرة التي يتوفر عليها، ولعله استخدم أحد دراهمه في أولى رواياته (فريج المرر) التي حازت على جائزة الشارقة.
والحال هذه، فإنني أتوقع، تُقرأ (أتنبأ)، بفوز (نبوءة السقا) ببوكر هذا العام، خاصة وأنها تمضي بحذق ومهارة ما بين الواقع والمُتخيل، كما أنها تطرق مفاهيم ذات ثقل فكري وسياسي، كونها تصور الصراع الطبقي في قرية إريترية كانت حينها – في ستينيات القرن المنصرم – خاضعة للنفوذ الإثيوبي، وكيف كان الاستعمار يتوسل الجذور والأنساب والطبقات لتحقيق مآربه الخاصة.
لكن، كل ذلك لن يشفع لـ (الناظر) كما ستشفع له فاطمة التي اكتشفت فجأة معنى أن تكون المرأة جميلة، حين أخبرتها الخياطة نورا، بذلك، قائلة: كم أنت بلهاء يا فاطمة! والله لو أملك مثل جمالكَ، وهذا الجسد لأوقفتُ البلد بإشارة، وحرّكته بإشارة، فعلت تلك العبارة في فاطمة فعل السحر، فصارت تطيل وقوفها أمام المرآة لساعاتٍ طويلةٍ في اليوم، وتصاعد اهتمامها بزينتها ونظافتها الشخصية على نحوٍ يقترب من أن يكون شغفًا فصارت تُردد على الخيّاطة بعد أن كانت تفعل ذلك في العيدين فقط”.
يقول أحد النقاد: بأن ثمّة درسين اثنين، على الأقل، تُعلمنا لهما (نبوءة السقّا)؛ الأول سلبي، يتمثّل في أن طلاّب الكراسي لا يتورّعون عن ارتكاب شتى الموبقات للوصول إليها حتى وإن كان الثمن الوطن نفسه، والثاني إيجابي، يتمثّل في أن الناس يتّحدون في مواجهة الخطر الخارجي، ويتخلّون عن انقساماتهم الطبقية والاجتماعية، ليعلو الهم الوطني على ما عداه.
هي نبوءتي الشخصيِّة، ولأنها كذلك، فلن تحتاج إلى مرافعات نقديّة، ومدافعات أكاديمية، نبوءة السقا ستفوز بالبوكر، وسنحتفل معاً.

بتصرف من صفحة الأستاذ/ عبد الجليل سليمان  من *Facebook

Leave a comment